السبت، 17 مارس 2012

هل تُلغى كرة القدم؟


هذا فصل جديد فى كتاب «العبث»، أكثر الإصدارات رواجا بعد ثورة 25 يناير. إذ انضافت مشكلة الناديين الأهلى والمصرى إلى قائمة هموم المرحلة. حتى أصبحنا نطالع كل يوم تطورات «القضية» على الصفحات الأولى من الصحف. كأنما أريد لمصر أن تخرج من مرحلة التطرف الدينى لتدخل الآن معركة التطرف الكروى. إذ لا فرق بين «ألتراس» المتعصبين لهذا النادى أو ذاك، وبين «ألتراس» الذين جندتهم المنظمات والجماعات الدينية فمن تعلق بناديه وحوّل الولاء له إلى هدف وليس وسيلة لا يختلف كثيرا عمن تعصب لجماعته واعتبرها «الفرقةالناجية» ــ ومن أقسم يمين الولاء والتحيز لناديه ليس بعيدا كثيرا عمن أقسم عين الولاء والطاعة لجماعته. كلاهما ألقى عقله وإرادته وسلمهما إلى «الأمير» فى النادى أو الجماعة، واستبدلهما بلغة الجسد أو السلاح.
(فى صحف أمس السبت 17/3) أن جماهير بورسعيد هاجت وخرجت إلى الشوارع غاضبة بعد صلاة الجمعة لأن النائب العام أصدر أمرا بإحالة 73 من المتهمين فى المقتلة التى أعقبت مباراة ناديى الأهلى والمصرى. وأن بعض المتظاهرين طالبوا باستقلال بورسعيد عن مصر، كما أن بعض المتطرفين رفعوا علم إسرائيل فى تحدٍ أهوج للدولة المصرية «الشقيقة» (وهو ما أدانه واستنكره الداعية السلفى الشيخ محمد حسان فى خطبة الجمعة). بل وذهب بعض المتظاهرين إلى مقر مبنى قناة السويس محاولين اقتحامه واشتبكوا بالقوات المسلحة المكلفة بتأمين المبنى. وفى الوقت الذى نددوا فيه بتحقيقات النيابة العامة واتهموها بالانحياز لصالح النادى الأهلى، ندد نادى ضباط الشرطة بالمدينة بحبس 8 من زملائهم وإحالة 3 للمحاكمة. كما أصدر النادى بيانا أعلن فيه أن مجلس إدارته سيظل فى حالة انعقاد دائم لحين وصول وزير الداخلية للاستماع إلى وجهة نظر الضباط. وفى الوقت ذاته ذهبت مجموعة من ألتراس النادى المصرى إلى مقر محكمة بورسعيد لمنع ترحيل زملائهم المقبوض عليهم من المحافظة، لعدم اطمئنانهم على «سلامتهم» إذا تم نقلهم إلى مكان آخر خارج المدينة. فى المقابل أصدرت رابطة ألتراس النادى الأهلى بيانا رحبت فيه بقرار إحالة المتهمين إلى محكمة الجنايات، واعتبرته خطوة جيدة على طريق استرداد حقوق الشهداء، إلا أنها أضافت أن الألتراس سيواصل «ثورته» حتى آخر نقطة دم لديهم (!) وأنهم على استعداد «للتصعيد» إذا ما لاحظوا أن ثمة تخاذلا أو تقصيرا من جانب الجهات المعنية فى القضية.
هذه ملامح الصورة التى رسمتها الصحف المصرية أمس، والتى أزعم أن أغلبها يدخل فى دائرة اللا معقول، حيث يتعذر على العقل أن يستوعبها فى أى ظروف عادية. وهو ما يستدعى عدة ملاحظات هى:
● أن بعض التفاصيل التى ذكرت تدخل ضمن الانفعالات التى اعترت بعض الأشخاص، ويتعذر أن تحمل على محمل الجد أو تنسب إلى المجموع. لذلك يمكن أن تعامل بحجمها الطبيعى وألا يهول فيها أو تبرر. أعنى تحديدا ما قيل عن استقلال بورسعيد وعن رفع العلم الإسرائيلى على أرض «المدينة الباسلة». وهو العنوان الذى أبرزته صحيفة «الوفد» على صفحتها الأولى، ومددته على ثمانية أعمدة.
● إننى استغربت إيفاد الشيخ محمد حسان لكى يخطب الجمعة فى بورسعيد وأقول «إيفاد» لأن الرجل ما كان له أن يتوجه إلى المدينة المتوترة ويخطب تحت حراسة مشددة فى مسجد بجوار مقر النادى المصرى إلا إذا كان الأمر مرتبا من قبل الشرطة أو المجلس العسكرى. سابقة استعانة بالشيخ حسان فى حالة أخرى بدت فيها نذر الفتنة. وليس لدىَّ تحفظ على الاستعانة بالرجل. بل قد يُشكر على ما يقوم به من جهد فى مثل هذه الملمات، ولكننى أتساءل أين اختفى دور القوى السياسية الأخرى ولماذا لا نرى أثرا لمنظمات المجتمع المدنى. وما تفسير غياب كل تلك الهياكل والإطارات فى أزمة المدينة؟ وهل يمكن القول بأن تلك الأحزاب والمنظمات أصبحت مستغرقة ومشغولة بحساباتها وطموحاتها الخاصة، بأكثر من اهتمامها بما يحدث فى الشارع المصرى؟
● ما أستغربه أيضا أن المشهد غابت عنه فكرة الدولة واحترام القانون، حتى ظن الغاضبون أن بوسعهم أن يقرروا مجرى التحقيق ومصير القضية ومكان المحاكمة. وحتى وجدنا أن رابطة ألتراس الأهلى «هددت» بالتصعيد (!) إذا سارت القضية باتجاه لا يعجبهم فاعتبروه تقصيرا أو تلاعبا. كما أننى لم أفهم سلوك ضباط الشرطة الذين نددوا بحبس بعض زملائهم الذين شملتهم قائمة الاتهام، ذلك أنهم أولى الناس باحترام قرار النيابة واحترام الإجراءات التى يفرضها القانون، وأخشى أن يكون الدافع إلى ذلك اقتناع بعضهم بأنهم فوق الحساب وفوق القانون، علما بأن قرار الاتهام لا يعنى الإدانة بالضرورة، لأن احتمال البراءة يظل واردا، وهو ما يقرره قرار المحكمة.
لقد خرَّبت كرة القدم علاقات مصر والجزائر فى السابق، وها هى تخرب العلاقة بين الناديين المصرى والأهلى، وأخشى أن تخرب العلاقة بين شعب بورسعيد والقاهريين، الأمر الذى يستدعى إعادة النظر ليس فقط فى دورى كرة القدم، ولكن أيضا إعادة النظر فى دور الرياضة والرياضيين، وعلاقة الاثنين بالأخلاق وأخشى إذا استمر ذلك التدهور أن نضغط يوما ما لأن نطالب بإلغاء كرة القدم كليا اتقاء لشرورها ودرءا لمفاسدها.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

 
copyright © 2010 حكاوى. All lefts reserved.
تصميم